بهلول الحكيم استشارة العاقل والمجنون/ بقلم. د. عبد الرضا الخفاجي

بهلول الحكيم. استشارة العاقل و المجنون

كان بهلول وعلى العادة يمشي يوميا في ازقة بغداد فلقيه رجل تاجر فقال لبهلول :(انا اريد استشارتك في امر التجارة )
قال بهلول وكان بيده خيزران ضرب بها كفه الاخرى بهدوء :( وما الذي عدل بك عن العقلاء حتى اخترتني دونهم ) ثم مكث هنيئة فقال (حسنا وما الذي تردت استشارتي فيه )
قال التاجر ولم يزل لا يرفع عينيه من يدي بهلول (ان عملي التجارة فأردت شراء متاع احتكره ثم ايعه لمن يدفع لي فيه ثمنا باهظا)
ضحك بهلول حتى بان ضرساه وقال ( ان اردت الربح في تجارتك فاشتر الحديد و الفحم)
شكره التاجر على ذلك و انطلق  الى السوق ثم فكر في كلام بهلول جيدا فرأى ان من الافضل ان يأخذ بكلامه فاشترى حديدا و فحما و اودعهما في المخزن حتى مضت عليهما مدة مديدة ولا زالا على حاليهما في المخزن ولما احتاج التاجر الى ثمنهما وكان قد ارتفع تلك الايام سعرهما باعهما بافضل ثمن وربح عليهما ربخا كثيرا
لكن للاسف اثرت هذه الثورة على سلوك التاجر كما تؤثر غالبا على سلوك كثير من الناس عند ثراهم حيث تجدهم يفقدون صوابهم ويتغير منطقتهم وسلوكهم فتراهم ينقليون من هذا وجه الى ذلك الوجه وهكذا كان التاجر فقد اغتر بنفسه غرورا عجيبا حتى لم يكد يعد للناس وزنا و اخذ يتحدث هنا و هناك لم يعر هذه المرة لبهلول اهمية ولم يشكره على ما اشار عليه سابقا بل اثار بوجه بهلول الغبار وسخر منه وقال ( ايها المجنون ما الذي اشتري و احتكر ليعود علي بالربح )
ضحك بهلول وقال ( اشتر ثوما و بصلا و اودعهما في مخزن)
خطا التاجر خطوات ثم رجع إلى بهلول وقال بلغة غرور و عجب ( عليك ان تفتخر بمشورة تاجر موفق و شهير مثلي اياك )
لم يجبه بهلول بشيء وبهت لجهل التاجر وغروره
رصد التاجر لشراء الثوم و البصل كل ما يملك من اموال و ذهب صباح الغد الى السوق لشرائهما هلى امل الربح ببيعهما
وبعد اشهر مضت على بصل و ثوم وهما في المخزن جاء التاجر وفتح ابواب المخزن وهو لا يعلم ما ينتظر من خسران مبين فوجد الثوم و البصل قد تعفنا و نتنا حينها ضرب التاجر بكلتا يديه على ام راسه و صاح ( يا للخيبة ... يا للخسران ) لم يكن احد يرغب في شراء مثل هذا البصل المتعفنين بل لا بد من رميه في المزابل لان رائحته نتنة انتشرت في كل مكان مما اضطر التاجر ان يستأجر عدة نفر ليحملوا هذا المتاع الفاسد الى الخارج المدينة و يدفموه و الارض
امتعض التاجر من بهلول و ازداد حنقا عليه و غضبا لانه فقد رأس ماله بسبب بهلول فاخذ ببحث عنه في كل مكان عنه حتى عثر عليه فلما رآه اخذ التاجر بتلابيبه وقال( ايها المجنون ما هذا الذي اشرت به علي لقد اجلستني على بساط الذلة و المسكن ) خلص بهلولو نفسه من التاجر و قال ( ماذا حدث )
قص التاجر على بهلول وصوته يرتعش من شدة الغضب ما جرى له
سكت بهلول عن التاجر هنية وهو يعلم عم يتحدث التاجر حتى سكت الغضب عنه ثم قال له ( لقد اشرتني اولا فخاطبتني بخطاب العقلاء فاشرت عليك بما يشيرون لكنك لما اردت استشارتي ثانيا خاطبتني بخطاب مجانين فاشرت هليك بمشورتك فاعبم لن ضرك و نفعك مخبوئان تحت لسانك ان خيرا خيرا و ان شر شرا )
اطرق التاجر الى الارض وهو لم يحر جوابا فتركه بهلول و انصرف عنه .

الدكتور عبد الرضا الخفاجي

تعليقات

المشاركات الشائعة